• لا تترك صلاتك مهما كانت ذنوبك
    قال تعالى "مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ" سورة المدثر
    إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِڪَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

المدرسة و تكنولوجيا الإعلام و التواصل

لقد فرضت تكنولوجيا الإعلام و التواصل نفسها اليوم في جميع الميادين، بما فيها الميدان التربوي، و لم يعد يخفى على أحد ما لهذه التكنولوجيات من إيجابيات حاسمة في اقتصاد الزمن و الجهد و التكلفة، و في تحقيق جودة و فعالية المنظومة التعليمية.
فما هي الإضافات النوعية التي يمكن لهذا المستجد أن يحققها للمنظومة التربوية و الممارسة التعليمية ببلادنا ؟ و إلى أي حد نجحت الوزارة الوصية في توفير الأرضية المناسبة لإدماج هذه التكنولوجيات في الحقل التربوي ؟ و ما هي الإكراهات التي لا زالت تقف حجر عثرة أمام هذا التوجه ؟

يستدعي التطور المعرفي و انفتاح البيداغوجيا على الوسائل الحديثة للاتصال و التواصل، أن يتم تنويع الوسائط و الدعامات البيداغوجية و الديداكتيكية، من خلال إدماج تكنولوجيا المعلوميات باعتبارها مصدراً فعالا في الممارسة التربوية ، و معينا ثرّا لتطوير موارد و أدوات شبكة التعليم و التعلم.
و يمكننا أن نحدد أدوارهذه التكنولوجيا في تطوير آلية الاشتغال و الإبداع بالمدرسة المغربية ، في بعدين أساسيين يحتضنان الكثير من الإيجابيات:

1ـ البعد البيداغوجي الديداكتيكي: له علاقة بالمواد المدرّسة و بناء التعلمات و الكفايات، فتكنولوجيا الإعلام و التواصل تساعدنا بيداغوجيا على بناء الوضعيات التعلمية التعليمية من خلال التمهيد للدرس و بنائه ،و إجراء التقييمات التفاعلية، و دعم و إغناء تعلمات و قدرات المتعلمين، و توفير وسائل إيضاح رقمية غنية و مشوقة(نص،صوت،صورة...).
و بما أن المتعلم مطالب دوما بالعمـل التـعاوني في سـياق مشـروع ذي دلالة في واقعه المعيش، فإنـه من الضروري الحديث عن إعادة البناء لمعارفه التي تتماشى و الأسس الاجتماعية/البنائية؛ ذلك أنّ مساهمـة هذه التكنولوجيا تسمح بإثراء المحتويات. و من هنا يمكن بسط الأهمية البيداغوجية لتكنولوجيا الإعلام و الاتصال كالآتي:
+ تحيمل التلميذ (ة) مسؤولية التحصيل المعرفي و دعم قدرته على البحث، و توفير ظروف العمل الجماعي داخلياً وخارجياً.
+ توقظ في المتعلم روح الفضول الثقافي و مهارة التساؤل.
+ تسمح له بوضع أفكاره على المحك وجها لوجه أمام أقرانه أو مدرسيه، مما يمكنه أيضا من تنمية محفزاته و دوافعه للتعلم.
+ تمكن المتعلم من إدماج معارفه و إقامة روابط بينها و تنظيمها.
+ تشجع على بيداغوجيا الاستكشاف بدلا من بيداغوجيا تراهن على استهلاك المعارف.

2ـ بعد تكنولوجي: يسعى إلى بناء و تطوير المهارات و المعارف التكنولوجية و المعلوماتية لدى المتعلمين، فبقدر ما تساعد تكنولوجيا الإعلام و التواصل التلميذ (ة) على البحث و الاستكشاف و تعميق المعرفة، فإنها تمكنه أيضا من التواصل و التبادل و التحاور دون اعتبار لإكراهات المكان أو الزمان،بحيث تضـع بين يديـه إمكانات التحليق في هذا الفـضاء أو ذاك، ممّا يساعده على الـذهاب إلى ما وراء سياق المدرسة و تجاوزها لإقامة شبكة من الشركاء و تكـوين فريق يتعامل معه بشكل مألوف، بل المثابـرة على التـعامل مع أكثر من شريك في شتى أصقاع العالم، و الوصول إلى إحداث تجمع تربوي موسع.

و نظرا لوعي الجهة الرسمية المسؤولة على التعليم (وزارة التربية الوطنية) بأهمية توظيف تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في المنظومة التعليمية، فقد عملت على ايلاء هذا الموضوع أهمية قصوى، حيث بادرت في العشرية الأولى من هذه الألفية إلى خلق برامج و مشاريع طموحة هدفها تعميم الوسائط التكنولوجية لتحقيق الاستفادة من مصادر المعلومات و بنوك المعطيات، و من بين هذه المشاريع نذكر برنامج "جيني" الذي استهدف تجهيز المؤسسات التعليمية بقاعات متعددة الوسائط و تكوين 30 ألف مدرس في مجال المعلوميات. بالإضافة إلى إطلاق برنامج"نافذة " من طرف مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية و التكوين، لتمكين حوالي 100000 من المدرسين من الحواسيب المحمولة مع الربط بشبكة الأنترنيت، و بأثمنة تفضيلية،وذلك من أجل دمج تكنولوجيا الإعلام و التواصل في المنظومة البيداغوجية و الديداكتيكية والتأطيرية و التواصلية. هذا دون أن ننسى تزويد مديرات و مديري المؤسسات التعليمية بمعدات معلوماتية تضم حاسوباً محمولا و طابعة و برمجيات لتحسين تدبير المؤسسات التعليمية. كما يجدر بنا أيضا الإشارة في هذا السياق إلى دورات الملتقى الوطني للأساتذة المجددين بتعاون مع "مايكروسوفت " من أجل الارتقاء بالابتكار التربوي و تحفيز الكفاءات التربوية التي أبانت عن مؤهلاتها في هذا المجال.
و أخيرا نشير إلى شروع الوزارة الوصية في إنشاء مختبر وطني لإنتاج و تطوير الموارد الرقمية، و إدخال السبورات التفاعلية إلى الفصول الدراسية، لإشراك المتعلمين ـ تقنيا ـ في بناء تعلماتهم ...... وغيرها من البرامج والمشاريع التي تتوخى دمج تكنولوجيا التعليم في منظومة التربية و التكوين لتحديثها و تجويد فعاليتها، و تقليص الفجوة الرقمية بيننا و الدول المتقدمة.

و مع اعتقادنا الجازم أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح و لو بطريقة بطيئة ، علينا أن نقر أنه ـ و رغم كل هذه المشاريع الطموحة ـ إلا أنها لازالت جنينية و غير كافية كما و نوعا، و غير معممة على كل المؤسسات التعليمية و المتعلمين و المدرسين،نظرا للاختلالات التي لازالت قائمة في منظومتنا التعليمية، و نذكر من بينها:
ـ أن عدد كبيرا من المدارس غير مرتبط بشبكة الكهرباء و الاتصالات(خصوصا في العالم القروي أكثر من 60%)،
ـ تردي جل الحجرات الدراسية تجهيزيا و عمرانيا(أكثر من 9 آلاف حجرة غير صالحة للدراسة)،
ـ تدني التكوينات الأساسية و المستمرة و عدم مواكبتها لمستجدات تكنولوجيا التعليم،
ـ تفعيل القاعات المتعددة الوسائط الموجودة لم يرق بعد إلى مستوى تطوير و إغناء الممارسة البيداغوجية على مستوى المؤسسة التعليمية، باستثناء مبادرات بعض مديرات و مديري المؤسسات التعليمية، واجتهادات بعض الممارسين التربويين القائمة على التطوع في غياب موارد بشرية مؤهلة لتنشيط هذه الفضاءات.
و يمكن في هذه النقطة استغلال القاعات المجهزة باقتسام تنشيطها بين الأساتذة و التلاميذ الذين يمتلكون مؤهلات في مجال تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، و اعتماد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني و مع القطاع الخاص.
ـ أن العقل المدبر و المستعمل و المستثمر للآلات التكنولوجية هو الحاسم في مسألة التوظيف المجتمعي للتكنولوجيا الحديثة، و في تحديد غاياتها و وظائفها؛ فإذا كان العقل (و العقليات) المستعمل للتكنولوجيا متخلفا و فاسدا، فلن تكون النتيجة المنطقية لتوظيف التكنولوجيا سوى ترسيخ للتخلف و الفساد بطرق حديثة.


خلاصة القول أن جل سلبيات إدماج تكنولوجيا التعليم بمنظومتنا التعليمية لها علاقة بنيوية بإشكالية تحديث مؤسساتنا و منظومتنا التربوية و التكوينية ، و بكيفية و إرادة تجاوز منظومات التخلف و التقليدانية السلبية تربويا و ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا و تكنولوجيا.
و إذا كانت عملية إدماج تكنولوجيات الإعلام و التواصل في المنظومة التربوية ببلادنا تحديا كبيرا و طريقا شاقا، فإنه طريق يستحق أن نسير فيه بلا هوادة، و ذلك من أجل بلوغ المدرسة الجديدة و المتجددة التي ينشدها المجتمع، و ترومها كل المشاريع الإصلاحية.