جمال
Admin
- 📬
- 755
- ❓
- 0
- 👍
- 90
- 🏆
- 28
فيمينزم…العداء للرجل والأسرة والأمومة
مصطفى عاشور
“الأمومة عبودية..والأطفال قيود..والأسرة سجن..والرجل عدو” ..أفكار ومواقف تدور منذ أربعة عقود داخل تيارات في الحركة النسوية، وسعي لتفكيك الأسرة أول وأقوى وأهم مؤسسة أنشأها الإنسان منذ خطواته الأولى على الأرض، فقد تحولت الحركة النسوية التي جاءت بداياتها الأولى في القرن السادس عشر، من تيار يطالب بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، والحصول على حقوق المرأة المدنية والسياسية، إلى أفكار ورؤى أخرى تعادي الأسرة والأمومة، وأن تكتفي المرأة بالمرأة بعيدا عن مركوز الفطرة وطبيعة الإنسانية، وهو ما جعل النسوية أو “فيمينزم” تيار يعادي الدين والفطرة والتاريخ.
ويأتي كتاب “فمينزم: الحركة النسوية مفهومها، أصولها النظرية، وتياراتها الاجتماعية” تأليف نرجس رودكر، تعريب هبه ضافر، والصادر نهاية عام 2019 في 372 صفحة عن المركز الإسلامي في بيروت، ضمن سلسلة مصطلحات معاصرة، متناولا المصطلح بكثير من الإحاطة والتفصيل، فهو أشبه بالخريطة الواجب على المتصدرين للعمل الديني والاجتماعي في جانب المرأة أن يدركوا طبيعة التحول في التيار النسوي، ومدى الخطورة التي يشكلها على مستقبل الإنسان، عندما تتحول “النساء من شقائق للرجال”[1] إلى الشقاق مع الرجال.
البداية: المساواة والحقوق
يشير الكتاب أن دراسة آراء مفكري الغرب منذ العصور القديمة إلى عصر التنوير وما بعده تكشف عن وجود نظرة من الاحتقار الشديد للنساء، فالفيلسوف “سقرط” يرى أن وجود المرأة هو أكبر سبب لانحطاط البشرية، أما “أرسطو” فيذهب أن “المرأة ليست إلا رجل ناقص، وأن الطبيعة عندما عجزت عن خلق الرجل خلقت المرأة”، بل وصل الأمر عام 568م إلى إقامة مؤتمر ليناقش سؤالا واحدا وهو: “هل المرأة إنسان أم لا؟”، فقد نظر كثير من المفكرين الغربيين للمرأة كمرادف للوضاعة والظلمة والجهل والنقص، لذا كانت النساء في الغرب محل تحقير دائم، وانسحبت تلك الرؤية على الواقع في ظلم اجتماعي وإنساني تعرضت له النساء، لذا كانت الأصوات الأولى التي ظهرت في النسوية تدعو إلى تعديل النظر للمرأة ورفع الرؤية التحقيرية، وتحقيق المساواة، فكانت مبنية على المطالبة بالمساواة.
مصطلح “فيمينزم” يرتبط بالفكر والسياق الغربي ووضعية المرأة داخله، ويتسم بالتنوع الواسع نظرا لاختلاف التجارب الغربية، والفترة الزمنية الطويلة التي تطور فيها، والتي تقترب من القرنيين، وكذلك الفلسفات المختلفة والمتناقضة التي رعت المفهوم أو نقدته، والمناهج والفلسفات التي لجأ إليها لطرح أفكاره، وهو ما يُصعب وضع مفهوم محدد للـ “فيمينزم” لأنها نظرية وحركة متغيرة في مسارها ومختلفة عن بداياتها، فحتى العام 1920[1]، عبرت النسوية عن نهضة اجتماعية في المطالبة بحقوق المرأة، لكنها منذ العام 1970 سعت لتكون نظرية اجتماعية.
مارس عصر النهضة الأوروبية ضغطا على المرأة، وأمام هذا التوجه الإقصائي للمرأة أخذت بعض النساء تدافع عن حقوقهن ومساوتهن، فقد أدت الثورة الصناعة إلى تغيرات مجتمعية طالت المرأة، وتشكلت علاقة الرجل والمرأة على أساس اعتماد المرأة على الرجل وانصراف المرأة لشئون المنزل، أي الرجل المُعيل والمرأة مدبرة المنزل، فكان خروج المرأة للعمل اعتداء على خصوصة الرجل، وتباينت الأجور بين الرجال والنساء، فكانت المرأة تحصل على نصف أجر الرجل، لذا اعتبر بعض المؤرخين حرية المرأة أحد أعراض وآثار الثورة الصناعية.
يقول “ويل ديورانت”: ” إن الأفراد الذين مهدوا لتخريب البيوت بدون أن يشعروا هم أصحاب المصانع الذن أخرجوا النساء من منازلهن من أجل أن يزيدوا أرباحهم“، ومع ظهور الحداثة والليبرالية كتوجهات فكرية في نهاية القرن الثامن عشر، فيما عرف بعصر الأنوار، اتجاها لجعل الجوانب البشرية تحت تصرفهما، ومن بينها المرأة وقضاياها، فتأسست النسوية مع الحداثة، وأخذ الشقاق يجد سبيلة في العلاقة بين الرجل والمرأة، فطُرحت تساؤلات، منها: لماذا يمتلك الرجال السلطة على المرأة؟ ولماذا تُلزم المرأة بطاعة الزوج؟ وشككت الحداثة في مركزية دور المرأة المنزلي، ووظائفها الطبيعية، أما الليبرالية المرتكزة على الفردية شعارا ومعيارا، فوضعت المرأة في مواجهة الرجل، من خلال تركيزها على مباديء، الحرية والمساواة وحق الملكية.
وقد نشرت “أوليمب دو غوج” في فرنسا عام 1791م إعلان حقوق المرأة والمواطنة المُطالب بالمساواة بين المرأة والرجل في التعليم وأمام القانون والعمل، لكن عندما قُدم إلى الجمعية الوطنية الفرنسية تم رفضه بالإجماع، ويعتبر هذا البيان أول نصوص النسوية، وفي العام التالي ألفت البريطانية “ماري وولستونكرافت” Mary Wollstonecraft أطروحتها “دفاعا عن حقوق المرأة”[2] الذي ردت فيه على “جان جاك روسو”، الذي كان يقصر الحقوق الطبيعة على الرجل دون المرأة، حيث قال روسو :”وُجدت المرأة للرجل، أي أنها خلقت لذلك لتقع في حبه وتطيعه، إن ذلك اقتضاء الطبيعة، فوظائف النساء والرجال ليست واحدة..وهوؤلاء الذين يتحدثون عن المساواة بين المرأة والرجل يتحدثون بكلام تافه”.
ومع ظهور النظرية الاشتراكية، وجدت النسوية فيها ملاذا، فأصدرت “فلورا تريستان” Flora Tristan عام 1843م كتابها “الاتحاد العمالي”، ومع حرب الاستقلال الأمريكية (1861-1865) وتحرير العبيد أعلنت مجموعة من النساء إعلان عام 1848م في “سينيكا فولز“[3] الذي طالب بالمساواة، ثم عانت الحركة النسوية من أفول مدة أربعة عقود من 1920 حتى 1960، فبعد حصول النساء على حق التصويت خفتت أصواتهن.
معاداة الأسرة والفطرة
عرفت النسوية اتجاهات راديكالية اعتبرت الرجل هو معضلة المرأة، وأنه هو سبب ظلمها، لذا تبنت منهجا ورؤية عدائية ضده، ودعت إلى الانفصال عن الرجال، وتبني نظام “الأختية“[2]، وهو أن تتحد النساء لمواجهة الاحتكار الذكوري الناجم عن النظام الأبوي، غير أن “السحاقية” كانت الخطر الأكبر للنسوية، وهي تعني سريان الانفصال بين الرجل والمرأة إلى المجال الخاص، ورأى هذا الاتجاه أن الزواج بين الرجل والمرأة هو من ابتكار النظام الأبوي، وسعت تلك النسوية إلى إيجاد عالم كامل للنساء منفصل عن الرجل يلبي كل احتياجتهن ورغباتهن، وصوغ هوية نسائية منزوعة الذكورة ترفع هؤلاء شعار “النسوية هي النظرية، والسحاقية هي التطبيق”، ومن أهم الكتب التي عبرت عن تلك الأفكار: كتاب “جدلية الجنس”[3] الصادر عام 1970 للكاتبة “فايرستون”[4] Firestone، والذي سعت فيه إلى تطوير رؤية مادية للتاريخ على أساس الجنس، معتبرة الحمل والولادة نوعا من الهمجية، ودعت إلى الانجاب الاصطناعي تحت شعار “الطفل المعبأة في زجاجات” “the bottled baby” لتحرير النساء من عائق الولادة، أما “كيت ميليت Kate Millett”[5] في كتابها “السياسة الجنسية” فدعت إلى إنهاء الزواج والأمومة، وكذلك الكاتبة “ماري دالي” [6]Mary Daly التي طرحت نظريتها في عدة كتب منها: “الكنيسة والجنس الآخر” و”ما وراء الإله الأب”، وهي تعتبر الشر والقسوة ذاتيين في الرجال.
ولكن لماذا تعادي اتجاهات في النسوية مؤسسة الأسرة؟
يرجع السبب إلى أن الأسرة هي المكان الذي تتجلى فيه مظاهر فصل الأدوار بين الرجل والمرأة، كما أن الأسرة هي المُنشأ لأهم دور للمرأة وهو الأمومة، فالأسرة عند هؤلاء النسويات هي مكان عمل النساء، ومكان التكاثر والإنجاب والرعاية وإيصال الخصائص الجنسية، ومن ثم طالبن بتفكيكها، وأن تكتفي المرأة بالمرأة كخطوة لإلغاء الأمومة، ويرى هؤلاء أن الأسرة تُخضع النساء، ومن ثم فهي مؤسسة تستحق التدمير، ورفعن شعارات من قبيل أنه إذا كان نصف سكان العالم أسيرات للمطبخ فإن العالم لن يتقدم ولن يتحرر، لذا طالبن بحق الاجهاض وتحديد النسل، فالأمومة مضاد لحرية المرأة، ويجب أن تتحمل المختبرات القيام بدور الأمومة البيولوجية نيابة عن المرأة، أما الأمومة المجتمعية فيجب أن يُساهم فيها الرجل ومؤسسات الدولة.
والحقيقة أن ذلك الاتجاه الذي تسير فيه النسوية منذ قرابة النصف قرن، يتوسع عالميا، ويجد من يصغي إليه، وإلى أقواله المتطرفة، أو يجد في مقولاته تنفسيا عن رغبات آثمة في داخله، وهو اتجاه يسير ضد الفطرة التي خُلق الإنسان عليها، وإذا كانت النسوية اتخذت بعض المظالم التي تعرضت لها النساء للمطالبة بتحقيق مطالبهن، فإن النسوية الحالية أقرب إلى الفوضوية التي تتخذ من الغرائز الجامحة سبيلا لنشر أفكارها.
مصطفى عاشور
“الأمومة عبودية..والأطفال قيود..والأسرة سجن..والرجل عدو” ..أفكار ومواقف تدور منذ أربعة عقود داخل تيارات في الحركة النسوية، وسعي لتفكيك الأسرة أول وأقوى وأهم مؤسسة أنشأها الإنسان منذ خطواته الأولى على الأرض، فقد تحولت الحركة النسوية التي جاءت بداياتها الأولى في القرن السادس عشر، من تيار يطالب بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، والحصول على حقوق المرأة المدنية والسياسية، إلى أفكار ورؤى أخرى تعادي الأسرة والأمومة، وأن تكتفي المرأة بالمرأة بعيدا عن مركوز الفطرة وطبيعة الإنسانية، وهو ما جعل النسوية أو “فيمينزم” تيار يعادي الدين والفطرة والتاريخ.
ويأتي كتاب “فمينزم: الحركة النسوية مفهومها، أصولها النظرية، وتياراتها الاجتماعية” تأليف نرجس رودكر، تعريب هبه ضافر، والصادر نهاية عام 2019 في 372 صفحة عن المركز الإسلامي في بيروت، ضمن سلسلة مصطلحات معاصرة، متناولا المصطلح بكثير من الإحاطة والتفصيل، فهو أشبه بالخريطة الواجب على المتصدرين للعمل الديني والاجتماعي في جانب المرأة أن يدركوا طبيعة التحول في التيار النسوي، ومدى الخطورة التي يشكلها على مستقبل الإنسان، عندما تتحول “النساء من شقائق للرجال”[1] إلى الشقاق مع الرجال.
البداية: المساواة والحقوق
يشير الكتاب أن دراسة آراء مفكري الغرب منذ العصور القديمة إلى عصر التنوير وما بعده تكشف عن وجود نظرة من الاحتقار الشديد للنساء، فالفيلسوف “سقرط” يرى أن وجود المرأة هو أكبر سبب لانحطاط البشرية، أما “أرسطو” فيذهب أن “المرأة ليست إلا رجل ناقص، وأن الطبيعة عندما عجزت عن خلق الرجل خلقت المرأة”، بل وصل الأمر عام 568م إلى إقامة مؤتمر ليناقش سؤالا واحدا وهو: “هل المرأة إنسان أم لا؟”، فقد نظر كثير من المفكرين الغربيين للمرأة كمرادف للوضاعة والظلمة والجهل والنقص، لذا كانت النساء في الغرب محل تحقير دائم، وانسحبت تلك الرؤية على الواقع في ظلم اجتماعي وإنساني تعرضت له النساء، لذا كانت الأصوات الأولى التي ظهرت في النسوية تدعو إلى تعديل النظر للمرأة ورفع الرؤية التحقيرية، وتحقيق المساواة، فكانت مبنية على المطالبة بالمساواة.
مصطلح “فيمينزم” يرتبط بالفكر والسياق الغربي ووضعية المرأة داخله، ويتسم بالتنوع الواسع نظرا لاختلاف التجارب الغربية، والفترة الزمنية الطويلة التي تطور فيها، والتي تقترب من القرنيين، وكذلك الفلسفات المختلفة والمتناقضة التي رعت المفهوم أو نقدته، والمناهج والفلسفات التي لجأ إليها لطرح أفكاره، وهو ما يُصعب وضع مفهوم محدد للـ “فيمينزم” لأنها نظرية وحركة متغيرة في مسارها ومختلفة عن بداياتها، فحتى العام 1920[1]، عبرت النسوية عن نهضة اجتماعية في المطالبة بحقوق المرأة، لكنها منذ العام 1970 سعت لتكون نظرية اجتماعية.
مارس عصر النهضة الأوروبية ضغطا على المرأة، وأمام هذا التوجه الإقصائي للمرأة أخذت بعض النساء تدافع عن حقوقهن ومساوتهن، فقد أدت الثورة الصناعة إلى تغيرات مجتمعية طالت المرأة، وتشكلت علاقة الرجل والمرأة على أساس اعتماد المرأة على الرجل وانصراف المرأة لشئون المنزل، أي الرجل المُعيل والمرأة مدبرة المنزل، فكان خروج المرأة للعمل اعتداء على خصوصة الرجل، وتباينت الأجور بين الرجال والنساء، فكانت المرأة تحصل على نصف أجر الرجل، لذا اعتبر بعض المؤرخين حرية المرأة أحد أعراض وآثار الثورة الصناعية.
يقول “ويل ديورانت”: ” إن الأفراد الذين مهدوا لتخريب البيوت بدون أن يشعروا هم أصحاب المصانع الذن أخرجوا النساء من منازلهن من أجل أن يزيدوا أرباحهم“، ومع ظهور الحداثة والليبرالية كتوجهات فكرية في نهاية القرن الثامن عشر، فيما عرف بعصر الأنوار، اتجاها لجعل الجوانب البشرية تحت تصرفهما، ومن بينها المرأة وقضاياها، فتأسست النسوية مع الحداثة، وأخذ الشقاق يجد سبيلة في العلاقة بين الرجل والمرأة، فطُرحت تساؤلات، منها: لماذا يمتلك الرجال السلطة على المرأة؟ ولماذا تُلزم المرأة بطاعة الزوج؟ وشككت الحداثة في مركزية دور المرأة المنزلي، ووظائفها الطبيعية، أما الليبرالية المرتكزة على الفردية شعارا ومعيارا، فوضعت المرأة في مواجهة الرجل، من خلال تركيزها على مباديء، الحرية والمساواة وحق الملكية.
وقد نشرت “أوليمب دو غوج” في فرنسا عام 1791م إعلان حقوق المرأة والمواطنة المُطالب بالمساواة بين المرأة والرجل في التعليم وأمام القانون والعمل، لكن عندما قُدم إلى الجمعية الوطنية الفرنسية تم رفضه بالإجماع، ويعتبر هذا البيان أول نصوص النسوية، وفي العام التالي ألفت البريطانية “ماري وولستونكرافت” Mary Wollstonecraft أطروحتها “دفاعا عن حقوق المرأة”[2] الذي ردت فيه على “جان جاك روسو”، الذي كان يقصر الحقوق الطبيعة على الرجل دون المرأة، حيث قال روسو :”وُجدت المرأة للرجل، أي أنها خلقت لذلك لتقع في حبه وتطيعه، إن ذلك اقتضاء الطبيعة، فوظائف النساء والرجال ليست واحدة..وهوؤلاء الذين يتحدثون عن المساواة بين المرأة والرجل يتحدثون بكلام تافه”.
ومع ظهور النظرية الاشتراكية، وجدت النسوية فيها ملاذا، فأصدرت “فلورا تريستان” Flora Tristan عام 1843م كتابها “الاتحاد العمالي”، ومع حرب الاستقلال الأمريكية (1861-1865) وتحرير العبيد أعلنت مجموعة من النساء إعلان عام 1848م في “سينيكا فولز“[3] الذي طالب بالمساواة، ثم عانت الحركة النسوية من أفول مدة أربعة عقود من 1920 حتى 1960، فبعد حصول النساء على حق التصويت خفتت أصواتهن.
معاداة الأسرة والفطرة
عرفت النسوية اتجاهات راديكالية اعتبرت الرجل هو معضلة المرأة، وأنه هو سبب ظلمها، لذا تبنت منهجا ورؤية عدائية ضده، ودعت إلى الانفصال عن الرجال، وتبني نظام “الأختية“[2]، وهو أن تتحد النساء لمواجهة الاحتكار الذكوري الناجم عن النظام الأبوي، غير أن “السحاقية” كانت الخطر الأكبر للنسوية، وهي تعني سريان الانفصال بين الرجل والمرأة إلى المجال الخاص، ورأى هذا الاتجاه أن الزواج بين الرجل والمرأة هو من ابتكار النظام الأبوي، وسعت تلك النسوية إلى إيجاد عالم كامل للنساء منفصل عن الرجل يلبي كل احتياجتهن ورغباتهن، وصوغ هوية نسائية منزوعة الذكورة ترفع هؤلاء شعار “النسوية هي النظرية، والسحاقية هي التطبيق”، ومن أهم الكتب التي عبرت عن تلك الأفكار: كتاب “جدلية الجنس”[3] الصادر عام 1970 للكاتبة “فايرستون”[4] Firestone، والذي سعت فيه إلى تطوير رؤية مادية للتاريخ على أساس الجنس، معتبرة الحمل والولادة نوعا من الهمجية، ودعت إلى الانجاب الاصطناعي تحت شعار “الطفل المعبأة في زجاجات” “the bottled baby” لتحرير النساء من عائق الولادة، أما “كيت ميليت Kate Millett”[5] في كتابها “السياسة الجنسية” فدعت إلى إنهاء الزواج والأمومة، وكذلك الكاتبة “ماري دالي” [6]Mary Daly التي طرحت نظريتها في عدة كتب منها: “الكنيسة والجنس الآخر” و”ما وراء الإله الأب”، وهي تعتبر الشر والقسوة ذاتيين في الرجال.
ولكن لماذا تعادي اتجاهات في النسوية مؤسسة الأسرة؟
يرجع السبب إلى أن الأسرة هي المكان الذي تتجلى فيه مظاهر فصل الأدوار بين الرجل والمرأة، كما أن الأسرة هي المُنشأ لأهم دور للمرأة وهو الأمومة، فالأسرة عند هؤلاء النسويات هي مكان عمل النساء، ومكان التكاثر والإنجاب والرعاية وإيصال الخصائص الجنسية، ومن ثم طالبن بتفكيكها، وأن تكتفي المرأة بالمرأة كخطوة لإلغاء الأمومة، ويرى هؤلاء أن الأسرة تُخضع النساء، ومن ثم فهي مؤسسة تستحق التدمير، ورفعن شعارات من قبيل أنه إذا كان نصف سكان العالم أسيرات للمطبخ فإن العالم لن يتقدم ولن يتحرر، لذا طالبن بحق الاجهاض وتحديد النسل، فالأمومة مضاد لحرية المرأة، ويجب أن تتحمل المختبرات القيام بدور الأمومة البيولوجية نيابة عن المرأة، أما الأمومة المجتمعية فيجب أن يُساهم فيها الرجل ومؤسسات الدولة.
والحقيقة أن ذلك الاتجاه الذي تسير فيه النسوية منذ قرابة النصف قرن، يتوسع عالميا، ويجد من يصغي إليه، وإلى أقواله المتطرفة، أو يجد في مقولاته تنفسيا عن رغبات آثمة في داخله، وهو اتجاه يسير ضد الفطرة التي خُلق الإنسان عليها، وإذا كانت النسوية اتخذت بعض المظالم التي تعرضت لها النساء للمطالبة بتحقيق مطالبهن، فإن النسوية الحالية أقرب إلى الفوضوية التي تتخذ من الغرائز الجامحة سبيلا لنشر أفكارها.