جمال
Admin
- 📬
- 755
- ❓
- 0
- 👍
- 90
- 🏆
- 28
ما هو الاقتصاد الريعي؟
يقوم اقتصاد الريع على أساس منح الامتيازات والخدمات وفرص العمل لصالح فئة معيّنة من دون مراعاة أي اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. وتكمن خطورة الريع، مقارنةً بالفساد أو سوء استخدام المال العام، في أنه يكتسب طابعاً "قانونياً" إذ أن الأحكام التي ترعاه عادة ما تكون مكرّسةً في القوانين والمراسيم.
يأخذ الريع أشكالاً عدة، منها ما هو واضح جداً للعيان. هذه هي حال الموافقات والأذونات الممنوحة لشركات النقل العام أو لتشغيل المرامل التي كانت مؤخراً موضوع جدل كبير في المغرب. ومع ذلك، فإن أكثر أشكال الممارسات الريعية شيوعاً ليست بالضرورة الأكثر إشكالية أو الأكبر كلفةً بالنسبة إلى المجتمعات المحلية.
يُستخدَم العديد من السياسات العامة بهدف توجيه المنافع الريعية إلى فئات محددة. هذا ما كانت عليه الحال فيما مضى مع سياسة المغربة، ومنح تراخيص الاستيراد أو الحماية التجارية لبعض المنتجات من دون غيرها، أو حتى إعطاء القروض المدعومة لقطاعات معينة. وهذا ما يُترجم نفسه اليوم من خلال الإعفاءات الضريبية الجزئية أو الكلية التي تستفيد منها بعض الأنشطة أو بعض المناطق. هذه أيضاً هي حال بعض المساعدات الحكومية النقدية أو العينية، من قبيل توفير دعم حقيقي لبعض المشاريع الخاصة في قطاع الصناعة أو الزراعة أو السياحة ضمن سياسات ما يُسمّى بتشجيع الاستثمار.
فالدولة، على سبيل المثال، تنازلت في العام 2011 وحده عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار و الزراعة الرأسمالية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً مهمة. ولا تزال الدولة تقدم عشرات المليارات من الدراهم المقتطعة من الموازنة العامة في نطاق المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة. بيد أنه لم يُجرَ أيُّ تقييم جدّي لفاعلية آليات الدعم تلك، ولم تُنشَر يوماً أيُّ قائمة بالمستفيدين من هذه الامتيازات.
لكن الممارسات الريعية لا تترتّب دائماً عن تدخّل الدولة، بل يمكن أيضاً أن تنجم عن عدم تدخّلها، كما هي الحال على سبيل المثال عندما تتغاضى الدولة عن تشكيل تكتلات اقتصادية تهدف إلى عرقلة آليات المنافسة عن طريق الاتفاق حول مستوى الأسعار أو تحديد كميات الإنتاج، أو قيام مؤسسة تهيمن على السوق بإخضاع مموّنيها أو زبائنها إلى ﺸﺮوط تجارية مجحفة. وتبلغ التكلفة على المجتمع، الناجمة عن تلكّؤ الدولة في أداء مهامها في متابعة السير العادي للأسواق وعدم وجود سلطة فعلية لتنظيم المنافسة، مليارات الدراهم.
ما الذي يفسر انتشار الاقتصاد الريعي؟
تُعَدّ الممارسات الريعية في البلدان النامية، مثل المغرب، جزءاً من النظام السياسي والاقتصادي، وتشكل المصدر الأساسي لاكتساب صفة الشرعية. وقد تأسس هذا النظام تاريخياً على عقد ضمني أو صريح تمنح السلطةُ السياسيةُ بموجبه المنفعةَ الريعيةَ لمجموعة من الأشخاص أو الفئات، مقابل ولائها ودعمها السياسي. وقد تطورت آليات توزيع الريع واختلفت أشكالها مع مرور الوقت، إلا أن الغرض منها ومفاعيلها لم يتغيّرا.
كلّما تقدّمت دولةٌ على طريق الديمقراطية وأصبحت السلطة السياسية فيها مُلزَمة بتبرير سياساتها وخاضعة إلى المساءلة والمحاسبة، مالت بنيةُ الامتيازات والتقديمات الريعية غير المبرّرة إلى الانهيار. وحدُها المساعدات والتحويلات التي يعتبرها المجتمع مشروعة في إطار منظومة معيّنة للتضامن الاجتماعي، يمكن أن تحظى بالقبول. إلا أن هذه التحويلات في حدّ ذاتها توَزَّع بشفافية وتخضع إلى تقييم صارم. حتى التحويلات التي يتّفق المجتمع على مشروعيتها بادئ الأمر يمكن أن تولّد سلوكاً غير سويّ. وهذه هي حال إعانات البطالة مثلاً التي تقدّمها بعض الدول لمساعدة الأفراد العاطلين عن العمل، والتي تحثّ بعضهم على التلكؤ عن السعي الجدي إلى إيجاد عمل وتجعلهم عالةً على فئات الموظفين الذين يساهمون في تمويل نظام إعانات البطالة.
كيف تؤذي الممارسات الريعية الاقتصاد وتماسُك النسيج الاجتماعي؟
في اقتصادٍ تهيمن عليه الممارسات الريعية، غالباً ما ينزع أصحاب الشأن إلى الانحراف والفساد. فتلقاهم يهدرون وقتهم وأموالهم سعياً وراء المنافع الريعية والاستفادة منها. ويبتعد المستثمرون عن الأنشطة الخاضعة إلى قواعد المنافسة التي تتطلب جهود ابتكار وإنتاجية، مؤثِرين عليها الأنشطة التي توفر الوصول إلى فرص الربح الريعي. وهم غالباً ما يكونون على استعداد لانتهاك القواعد واللوائح أو اللجوء إلى الفساد لاستحداث ربح ريعي أو الحفاظ عليه أو الاستفادة منه.
إن انتشار الاقتصاد الريعي يقوّض على نحو خطير تماسُكَ النسيج الاجتماعي. فالأفراد يمكن أن يقبلوا برحابة صدر أن يغتني البعض على أساس الجهد والجدارة، غير أنهم يكونون أقلّ تسامحاً بكثير حيال أولئك الذين ينجحون من خلال التلاعب بالقواعد والتحايل عليها وعبر استغلال امتيازات تُمنَح لهم حصرياً.
وتتطلب مكافحة آليات الممارسات الريعية ووضع حدّ للاختلاس تحت غطاء الشرعية للأموال العامة، منظوراً شمولياً وجهوداً حثيثة. ولن تكون هذه المهمة سهلةً، ولاسيما أنه يتعيّن على الجهات الراغبة في الإصلاح أن تواجه مقاومة جبهة عتيدة من أولئك الذين يريدون حماية "المكتسبات" الريعية التي يستفيدون منها والإبقاء على وضعهم الراهن على ما هو عليه.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
الحسن المعاشي
يقوم اقتصاد الريع على أساس منح الامتيازات والخدمات وفرص العمل لصالح فئة معيّنة من دون مراعاة أي اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. وتكمن خطورة الريع، مقارنةً بالفساد أو سوء استخدام المال العام، في أنه يكتسب طابعاً "قانونياً" إذ أن الأحكام التي ترعاه عادة ما تكون مكرّسةً في القوانين والمراسيم.
يأخذ الريع أشكالاً عدة، منها ما هو واضح جداً للعيان. هذه هي حال الموافقات والأذونات الممنوحة لشركات النقل العام أو لتشغيل المرامل التي كانت مؤخراً موضوع جدل كبير في المغرب. ومع ذلك، فإن أكثر أشكال الممارسات الريعية شيوعاً ليست بالضرورة الأكثر إشكالية أو الأكبر كلفةً بالنسبة إلى المجتمعات المحلية.
يُستخدَم العديد من السياسات العامة بهدف توجيه المنافع الريعية إلى فئات محددة. هذا ما كانت عليه الحال فيما مضى مع سياسة المغربة، ومنح تراخيص الاستيراد أو الحماية التجارية لبعض المنتجات من دون غيرها، أو حتى إعطاء القروض المدعومة لقطاعات معينة. وهذا ما يُترجم نفسه اليوم من خلال الإعفاءات الضريبية الجزئية أو الكلية التي تستفيد منها بعض الأنشطة أو بعض المناطق. هذه أيضاً هي حال بعض المساعدات الحكومية النقدية أو العينية، من قبيل توفير دعم حقيقي لبعض المشاريع الخاصة في قطاع الصناعة أو الزراعة أو السياحة ضمن سياسات ما يُسمّى بتشجيع الاستثمار.
فالدولة، على سبيل المثال، تنازلت في العام 2011 وحده عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار و الزراعة الرأسمالية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً مهمة. ولا تزال الدولة تقدم عشرات المليارات من الدراهم المقتطعة من الموازنة العامة في نطاق المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة. بيد أنه لم يُجرَ أيُّ تقييم جدّي لفاعلية آليات الدعم تلك، ولم تُنشَر يوماً أيُّ قائمة بالمستفيدين من هذه الامتيازات.
لكن الممارسات الريعية لا تترتّب دائماً عن تدخّل الدولة، بل يمكن أيضاً أن تنجم عن عدم تدخّلها، كما هي الحال على سبيل المثال عندما تتغاضى الدولة عن تشكيل تكتلات اقتصادية تهدف إلى عرقلة آليات المنافسة عن طريق الاتفاق حول مستوى الأسعار أو تحديد كميات الإنتاج، أو قيام مؤسسة تهيمن على السوق بإخضاع مموّنيها أو زبائنها إلى ﺸﺮوط تجارية مجحفة. وتبلغ التكلفة على المجتمع، الناجمة عن تلكّؤ الدولة في أداء مهامها في متابعة السير العادي للأسواق وعدم وجود سلطة فعلية لتنظيم المنافسة، مليارات الدراهم.
ما الذي يفسر انتشار الاقتصاد الريعي؟
تُعَدّ الممارسات الريعية في البلدان النامية، مثل المغرب، جزءاً من النظام السياسي والاقتصادي، وتشكل المصدر الأساسي لاكتساب صفة الشرعية. وقد تأسس هذا النظام تاريخياً على عقد ضمني أو صريح تمنح السلطةُ السياسيةُ بموجبه المنفعةَ الريعيةَ لمجموعة من الأشخاص أو الفئات، مقابل ولائها ودعمها السياسي. وقد تطورت آليات توزيع الريع واختلفت أشكالها مع مرور الوقت، إلا أن الغرض منها ومفاعيلها لم يتغيّرا.
كلّما تقدّمت دولةٌ على طريق الديمقراطية وأصبحت السلطة السياسية فيها مُلزَمة بتبرير سياساتها وخاضعة إلى المساءلة والمحاسبة، مالت بنيةُ الامتيازات والتقديمات الريعية غير المبرّرة إلى الانهيار. وحدُها المساعدات والتحويلات التي يعتبرها المجتمع مشروعة في إطار منظومة معيّنة للتضامن الاجتماعي، يمكن أن تحظى بالقبول. إلا أن هذه التحويلات في حدّ ذاتها توَزَّع بشفافية وتخضع إلى تقييم صارم. حتى التحويلات التي يتّفق المجتمع على مشروعيتها بادئ الأمر يمكن أن تولّد سلوكاً غير سويّ. وهذه هي حال إعانات البطالة مثلاً التي تقدّمها بعض الدول لمساعدة الأفراد العاطلين عن العمل، والتي تحثّ بعضهم على التلكؤ عن السعي الجدي إلى إيجاد عمل وتجعلهم عالةً على فئات الموظفين الذين يساهمون في تمويل نظام إعانات البطالة.
كيف تؤذي الممارسات الريعية الاقتصاد وتماسُك النسيج الاجتماعي؟
في اقتصادٍ تهيمن عليه الممارسات الريعية، غالباً ما ينزع أصحاب الشأن إلى الانحراف والفساد. فتلقاهم يهدرون وقتهم وأموالهم سعياً وراء المنافع الريعية والاستفادة منها. ويبتعد المستثمرون عن الأنشطة الخاضعة إلى قواعد المنافسة التي تتطلب جهود ابتكار وإنتاجية، مؤثِرين عليها الأنشطة التي توفر الوصول إلى فرص الربح الريعي. وهم غالباً ما يكونون على استعداد لانتهاك القواعد واللوائح أو اللجوء إلى الفساد لاستحداث ربح ريعي أو الحفاظ عليه أو الاستفادة منه.
إن انتشار الاقتصاد الريعي يقوّض على نحو خطير تماسُكَ النسيج الاجتماعي. فالأفراد يمكن أن يقبلوا برحابة صدر أن يغتني البعض على أساس الجهد والجدارة، غير أنهم يكونون أقلّ تسامحاً بكثير حيال أولئك الذين ينجحون من خلال التلاعب بالقواعد والتحايل عليها وعبر استغلال امتيازات تُمنَح لهم حصرياً.
وتتطلب مكافحة آليات الممارسات الريعية ووضع حدّ للاختلاس تحت غطاء الشرعية للأموال العامة، منظوراً شمولياً وجهوداً حثيثة. ولن تكون هذه المهمة سهلةً، ولاسيما أنه يتعيّن على الجهات الراغبة في الإصلاح أن تواجه مقاومة جبهة عتيدة من أولئك الذين يريدون حماية "المكتسبات" الريعية التي يستفيدون منها والإبقاء على وضعهم الراهن على ما هو عليه.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
الحسن المعاشي