جمال
Admin
- 📬
- 754
- ❓
- 0
- 👍
- 90
- 🏆
- 28
الموضوع:
إن دخول الطفل إلى المدرسة يمثل أزمة جديدة في التكيف مع البيئة، إذ عليه أن يتلاءم في وقت واحد مع وجود المعلم، ومع وجود الأطفال الآخرين،ومع وجود الجماعة المدرسية: أبعد من أمه وأبيه وأقل حديا عليه، وأشد صرامة في ممارسة وظائفه.
أوبير: التربية العامة
حلل وناقش
مقدمة:
ورد هذا النص في كتاب التربية العمة لمفكر فرنسي ًرونيه أبير ً ويعرض فيه لجو الجماعة المدرسية، وأن اهتمامه بهذا الجانب جاء كتقويم للنهج الذي كانت تملكه البيد اغوجية القديمة والتي كانت ترجع كل اندماج اجتماعي تقوم به المدرسة إلى الضغط والإكراه كما تولى كامل العناية إلى جهود المتعلم الفردية، وتمهل بالتالي الجوانب المتعلقة بالتفاعل الوحداني بين الأفراد، ويؤكد الكتب على الصعوبات التي يشعر بها المتعلم في التكيف مع البيئة المدرسية وقوانينها واحتكاك الطفل بالمعلم وعلاقته بالأنداد.
ويطرح النص قضية تكيف الطفل الجديد مع الجماعة المدرسية عند انتقاله من الأسرة.ٌ لقد كان يشعر داخل أسرته بكثير من العطف والحنان وعند انتقاله غالى الجماعة المدرسية يجد أمامه جوا غير الذي ألفه، فالعطف والحنان يتقلصان والحرية تضيق، إذ أخذت المدرية تطبق عليه مجموعة من القواعد التي يصعب عليه تحملها ولكنه يضطر للامتثال لها.
وقصد تحليل هذا النص ولغدائه سنطرح التساؤلات الآتية:
- كيف يتم انتقال الطفل من المجال الأسري إلى المجال المدرسي؟
- ما هي تفاعلات الطفل مع أفراد الجماعة؟
-ما هو دور المعلم في إعداد الطفل للتوافق مع المدرسة؟
التحليل:
1-إن انتقال الطفل من البيت إلى الكتاب أو المدرسة يعد حدثا حرجا فهو انتقال من مجتمع صغير بسيط إلى مجتمع أوسع، فالمدرسة على الخصوص هي بيئة ذات نظم جديدة، وبها من التكاليف والواجبات ما لم بعهده الطفل من قبل ففيها صلات وتفاعلات ومنافسات جديدة.
ففيها يضطر الطفل إلى التضحية بكثير من المميزات التي كان ينعم بها، ففي أحضان الأسرة كان ينعم بكثير من العطف وكان يحتل مركزا خاصا، فأصبح في المدرسة مجرد طفل بين عدد كبير من الأطفال يعاملون على حد سواء، إن عادات السلوك الاجتماعي التي ألفها في البيت طرأ عليها تغيير عنيف في البيئة المدرسية.
والمعتاد أن تظهر على الأطفال وهم يتوجهون إلى المدرسة لأول مرة معالم معاناة أليمة تجعلنا نحرك بأنهم يعانون في وذاتهم تمزقا يمكن اعتباره فطاما نفسيا جديدا، ويتعمق الشعور بهذا الفطام كلما كانت العملية التثقيفية السابقة لدخول المدرسة سلبية.
إن التهيؤ لحياة المدرسة الذي تمارسه البيئة على الطفل قد يكتفي مظاهر سلبية أو ايجابية: فقد يغلب على هذا التهيؤ في بعض الحالات عامل القمع بحيث تكون حياة المدرسة وعيدا وتمديدا مستمرا لانطلاق الطفل وحيويته وفعاليته، وكثيرا ما نسمع الأمهات على الخصوص في بيئتنا المغربية يتوعدن أطفالهن بحياة المدرسة أو يظهرن مللهن من شيطنة الأطفال أيام العطل وخارج أوقات المدرسة.
فهذه مظاهر تثقيفية تجعل الطفل يمتلئ أن المدرسة أقيمت للحد من رغباته، وقمع نشاطاته الأصلية.
إن المواقف الجديدة التي يعيشها الطفل في المدرسة أخذت تفرض عليه الخضوع لنظام جديد: فالمجال المدرسي يمثل مجموعة من النظم والقوانين الجديدة على المتعلم، إذ تمارس فيها نشاطات وتفاعلات لم يتكيف معها من قبل، ويجد نفسه مضطرا إلى التنازل عن كثير من الممارسات والقيم التي هي جزء من شخصيته والتي كان ينعم بها سابقا داخل الأسرة.
إن المجال المدرسي من حيث هو مجال تربوي اجتماعي ونفسي تقوم فيه العلاقات على أساس أعم وأشمل من أساس القرابة الذي تقوم عليه العلاقات المنزلية وهذا المجال هو الكفيل بإعداد الطفل للقيام بواجباته الاجتماعية، وتنمية قدراته وعواطفه سواء عن طريق توسيع أفق ما تبلور منها في المنزل أو عن طريق خلق ما يظهر منها فيما بعد، ذلك أن الأسرة بحكم تكوينها البسيط بالنسبة للمجال المدرسي وتوقظ وتنمي قدرات وعواطف تكون أساس العلاقات الفردية البسيطة، أما دور المدرسة فانه يتجاوز ذلك، لأنها تعمل على تطوير تلك القدرات والعواطف، وتنميتها من جهة وعلى خلق غيرها من جهة أخرى.
ومن خلال تقبل الطفل للنظام المدرسي ينشأ لديه نوع من التبعية فهو يطيع أوامر معلمه وأوامر جماعته، وتتغلغل فيه التصورات الجمعية السائدة في قسمه، يقول دور كايم: ًالتصورات الجمعية هي مدركات يكونها الفرد عن وسطه الشخصي، وهي تعكس الكيفية التي يتصور بها المجتمع تجربته ً
والتصورات الجمعية تمارس على الفرد نوعا من الإكراه مادامت تنتقل من جيل إلى آخر، ومن خلالها يظهر أن للراشد تأثير على الطفل، فيرفض احترامه.
والمدرسة التقليدية تختزل الاندماج الاجتماعي في الإكراه، فالعلاقة أحادية بين المعلم والمتعلم بين المرسل والمتقبل بين العارف والجاهل، لكن المدرسة اليوم مطالبة بتغيير هذه الصور، فإذا كان الإكراه ضروريا لتلقي المفاهيم واختزال تجارب الأولين، فان التعاون بين التلاميذ يسهل مأمورية المعلم، إذ يجد أمامه جماعة متماسكة متآزرة، قال بياجيه: ً التعاون هو الأخلاق في الفعل، كما أن العمل النشيط هو الذكاء في الفعل ً.
والتعاون في المدرسة يعني احترام قوانينها والاشتراك في الأشغال والألعاب، ويعني حفط الوعود والمحافظة على نظافة المدرسة وأثاثها.
وان الطفل المدلل يستفيد كثيرا من هذه البيئة الجديدة التي تعلمه تحمل المسؤولية، ويصدق ذلك أيضا على الطفل الوحيد أو الخامل.
وان النظام الداخلي للمدرسة الأولية أو الابتدائية هو عبارة عن إجراءات وقائمة يقصد من ورائها أبعاد الطفل عن كل ما من شأنه أن يلحق الضرر به أو برفاقه، سواء داخل القسم أو في الساحة أو في الطريق بين البيت والمدرسة بالإضافة إلى الحث على النظافة والمحافظة على التجهيزات المدرسية.
وهذه الإجراءات وغيرها تعمل على تكوين الوعي والانضباط الاجتماعي لدى التلميذ والمحافظة على ممتلكات المؤسسة واحترام العاملين بها: ففيها يتعين على الطفل أن يراعي النظام وأن يلزم التأدب، أو الصمت في أوقات معينة، وألا يغضب إن اقتضت مصلحة الجماعة ألا يأخذ أكتر من نصيبه.
2. ومن الفوائد العملية للمدرسة الابتدائية أنها تمنح للطفل قدرا من الاستقلال، فتتوسع صلاته الاجتماعية، اذ يصبح قادرا على إقامة علاقات من التفاعل مع هذه الكائنات التي تماثله، كما أن المدرسة تعمل على انتزاع الطفل من التمركز الذاتي L égocentrisme الذي يسيطر على تفكيره وسلوكه الاجتماعي وخلقه حتى سن السابعة فيما يراه بياجيه.
ولا يقصد بياجيه بالتمركز الذاتي أن الأطفال في هذه المرحلة يكونون أنانيين، بل يقصد أنهم يدركون العالم من منظورهم الخاص، والواقع أن هذا المفهوم يمكن تعميمه على سلوك الطفل الاجتماعي، وليس فقط على سلوكه المعرفي، وهكذا يتضح لنا أن التغير المفاجئ في بيئة المتعلم يمكن أن يكون له أثر سلبي وسلوكه الاجتماعي،لأنه ما يزال متشبعا بتنشئة أسرية مختلفة ينبغي أن يكون المعلم مستعدا لمواجهة مشاكلها النفسية والاجتماعية.
إن الدخول المدرسي الأول يعد بالنسبة للمتعلم إجراء اضطراريا قد يؤدي إلى معاناة انفعالية أو إلى تخلف في المجال المعرفي.
ومن خلال هذا الطرح، فما هي محاولات ومساهمة المعلم التربوي من أجل التخفيف من حدة الأزمة، وتكييف الطفل مع المجال المدرسي ؟
3.إن موضوع النص يطرح ضمنيا علاقة المعلم بالمتعلم المبنية على السيكولوجية لأفراد الجماعة، أن اهتمام المدرس بدراسة الطفولة ومراحل نموها يعد وسيلة لضبط التغيير الطارئ الذي يصادف المتعلم، وتكييفه من بيئة إلى أخرى في ظروف عادية وملائمة لرغباته وميوله.
3.لقد بينا سابقا أن الدخول إلى المدرسة يعد قطيعة شبيهة بفطام عاطفي جديد، وهذا الفطام يتطلب جهدا انفعاليا ينبغي أن يتحمله الطفل من أجل التوافق مع النظام المدرسي.
وفي هذا الجو الجديد يظهر دور المعلم الايجابي والمتفهم للصعوبات التي يواجهها التلميذ، أن هذا الجو يتطلب من المعلم وعيا بصعوبات الانفصال عن الأم، وعن حياة المنزل التي ألفها لبضع سنوات، فالي حدود السنة الخامسة يكون بعض الأطفال غير قادرين على التحكم في التبول أو التبرز، وهنا نشير إلى الدور الذي يقوم به المربي أو المربية في النيابة عن الأب أو الأم.
ان قدرة المعلم على التعامل مع الطفل كبديل للأب أو الأم هو أمر هام في نمو شخصية الصغير، فالمعلم يقوم بدور القدوة أو النموذج للصغار، فهم يمثلونه بشخصيته وان التلاميذ كثيرا ما يستعيضون عن اتجاهات آبائهم باتجاهات أخرى يستمدونها من المعلمين.
وهكذا يبدو دور المعلم عظيما من الجوانب النفسية والاجتماعية فضلا عن الجوانب التعليمية : إن اطلاع المدرس على العوامل المؤثرة في جو الجو الجماعة وتماسكها يجعله واعيا بأهمية خلق جو حجرة الدراسة من خلال العلاقات التفاعلية بينه وبين التلاميذ بعضهم ببعض، كما يتيح له إمكانيات تحريك النشاط الذاتي للمتعلم بغيةً البحث والمشاركة والمبادرة.....ً
وان تحقيق جو التعاطف الوجداني والتواصل والنشاط الذاتي من شأنه أن يخول للمتعلمين الظهور على حقيقتهم والابتعاد عن السلوك المزيف والرفع من معنوياتهم من أجل تكوين جماعة متكيفة ومنتجة.
وفي إطار العلاقات التفاعلية السليمة داخل القسم، ينبغي للمعلم أن يتفهم نفسية التلميذ الجديد، ويحسن معاملته، بحيث لا تتصف هذه المعاملة ً بالسخرية أو الزجر ً فالاندماج الأول للطفل مع الجماعة يتطلب كثيرا من الرقة في المعاملة وكثيرا من الألفة والتقارب والانتفاع في الكلام والاتصال.
خاتمة:
نستخلص مما سبق أن احتكاك الطفل لأول مرة مع الجماعة المدرسية يشكل ً أزمة ً تؤدي إلى بعض الاضطرابات الانفعالية الحقيقية لأن جماعة القسم هي جماعات العمل وهي تختلف عن الجماعات الأخرى كجماعات التسلية أو جماعات ملء الفراغ، فالفل حينما يغادر الأسرة ويدخل المدرسة التي تعتبر بيئة غريبة تستلزم وقتا لكي يتكيف مع الجماعة الجديدة فالبيئة الجديدة تتمثل في غالب الأحيان بالصرامة والنظام القاسي وان تفاعل الطفل مع هذه الجماعات الجديدة يكسبه عادات جديدة مخالفة لما تعوده من قبل و أمام هذه الوضعية ينبغي على المعلم أن يتدخل بوعي وتبصر من أجل تذليل كل الصعوبات مستخدما أساليب نفسية وتربوية تتفق مع خصوصيات كل متعلم من أجل تحقيق الاندماج السليم والاتزان الشخصي لكل طفل.
ولقد كان الكاتب ً أيبر ً صريحا وواضحا حينما أشار إلى هذه المرحلة المتأزمة، غير أن المدرسة الحديثة قد نظفت كثيرا من الضغوط التي يعاني منها المتعلمون إبان اندماجهم، وفتحت أمامهم عدة مجالات للتنشيط والمشاركة وأخذ الأطفال في الجو الجديد يتقاربون ويتعاونون في جو من المحبة والوئام.
إن دخول الطفل إلى المدرسة يمثل أزمة جديدة في التكيف مع البيئة، إذ عليه أن يتلاءم في وقت واحد مع وجود المعلم، ومع وجود الأطفال الآخرين،ومع وجود الجماعة المدرسية: أبعد من أمه وأبيه وأقل حديا عليه، وأشد صرامة في ممارسة وظائفه.
أوبير: التربية العامة
حلل وناقش
مقدمة:
ورد هذا النص في كتاب التربية العمة لمفكر فرنسي ًرونيه أبير ً ويعرض فيه لجو الجماعة المدرسية، وأن اهتمامه بهذا الجانب جاء كتقويم للنهج الذي كانت تملكه البيد اغوجية القديمة والتي كانت ترجع كل اندماج اجتماعي تقوم به المدرسة إلى الضغط والإكراه كما تولى كامل العناية إلى جهود المتعلم الفردية، وتمهل بالتالي الجوانب المتعلقة بالتفاعل الوحداني بين الأفراد، ويؤكد الكتب على الصعوبات التي يشعر بها المتعلم في التكيف مع البيئة المدرسية وقوانينها واحتكاك الطفل بالمعلم وعلاقته بالأنداد.
ويطرح النص قضية تكيف الطفل الجديد مع الجماعة المدرسية عند انتقاله من الأسرة.ٌ لقد كان يشعر داخل أسرته بكثير من العطف والحنان وعند انتقاله غالى الجماعة المدرسية يجد أمامه جوا غير الذي ألفه، فالعطف والحنان يتقلصان والحرية تضيق، إذ أخذت المدرية تطبق عليه مجموعة من القواعد التي يصعب عليه تحملها ولكنه يضطر للامتثال لها.
وقصد تحليل هذا النص ولغدائه سنطرح التساؤلات الآتية:
- كيف يتم انتقال الطفل من المجال الأسري إلى المجال المدرسي؟
- ما هي تفاعلات الطفل مع أفراد الجماعة؟
-ما هو دور المعلم في إعداد الطفل للتوافق مع المدرسة؟
التحليل:
1-إن انتقال الطفل من البيت إلى الكتاب أو المدرسة يعد حدثا حرجا فهو انتقال من مجتمع صغير بسيط إلى مجتمع أوسع، فالمدرسة على الخصوص هي بيئة ذات نظم جديدة، وبها من التكاليف والواجبات ما لم بعهده الطفل من قبل ففيها صلات وتفاعلات ومنافسات جديدة.
ففيها يضطر الطفل إلى التضحية بكثير من المميزات التي كان ينعم بها، ففي أحضان الأسرة كان ينعم بكثير من العطف وكان يحتل مركزا خاصا، فأصبح في المدرسة مجرد طفل بين عدد كبير من الأطفال يعاملون على حد سواء، إن عادات السلوك الاجتماعي التي ألفها في البيت طرأ عليها تغيير عنيف في البيئة المدرسية.
والمعتاد أن تظهر على الأطفال وهم يتوجهون إلى المدرسة لأول مرة معالم معاناة أليمة تجعلنا نحرك بأنهم يعانون في وذاتهم تمزقا يمكن اعتباره فطاما نفسيا جديدا، ويتعمق الشعور بهذا الفطام كلما كانت العملية التثقيفية السابقة لدخول المدرسة سلبية.
إن التهيؤ لحياة المدرسة الذي تمارسه البيئة على الطفل قد يكتفي مظاهر سلبية أو ايجابية: فقد يغلب على هذا التهيؤ في بعض الحالات عامل القمع بحيث تكون حياة المدرسة وعيدا وتمديدا مستمرا لانطلاق الطفل وحيويته وفعاليته، وكثيرا ما نسمع الأمهات على الخصوص في بيئتنا المغربية يتوعدن أطفالهن بحياة المدرسة أو يظهرن مللهن من شيطنة الأطفال أيام العطل وخارج أوقات المدرسة.
فهذه مظاهر تثقيفية تجعل الطفل يمتلئ أن المدرسة أقيمت للحد من رغباته، وقمع نشاطاته الأصلية.
إن المواقف الجديدة التي يعيشها الطفل في المدرسة أخذت تفرض عليه الخضوع لنظام جديد: فالمجال المدرسي يمثل مجموعة من النظم والقوانين الجديدة على المتعلم، إذ تمارس فيها نشاطات وتفاعلات لم يتكيف معها من قبل، ويجد نفسه مضطرا إلى التنازل عن كثير من الممارسات والقيم التي هي جزء من شخصيته والتي كان ينعم بها سابقا داخل الأسرة.
إن المجال المدرسي من حيث هو مجال تربوي اجتماعي ونفسي تقوم فيه العلاقات على أساس أعم وأشمل من أساس القرابة الذي تقوم عليه العلاقات المنزلية وهذا المجال هو الكفيل بإعداد الطفل للقيام بواجباته الاجتماعية، وتنمية قدراته وعواطفه سواء عن طريق توسيع أفق ما تبلور منها في المنزل أو عن طريق خلق ما يظهر منها فيما بعد، ذلك أن الأسرة بحكم تكوينها البسيط بالنسبة للمجال المدرسي وتوقظ وتنمي قدرات وعواطف تكون أساس العلاقات الفردية البسيطة، أما دور المدرسة فانه يتجاوز ذلك، لأنها تعمل على تطوير تلك القدرات والعواطف، وتنميتها من جهة وعلى خلق غيرها من جهة أخرى.
ومن خلال تقبل الطفل للنظام المدرسي ينشأ لديه نوع من التبعية فهو يطيع أوامر معلمه وأوامر جماعته، وتتغلغل فيه التصورات الجمعية السائدة في قسمه، يقول دور كايم: ًالتصورات الجمعية هي مدركات يكونها الفرد عن وسطه الشخصي، وهي تعكس الكيفية التي يتصور بها المجتمع تجربته ً
والتصورات الجمعية تمارس على الفرد نوعا من الإكراه مادامت تنتقل من جيل إلى آخر، ومن خلالها يظهر أن للراشد تأثير على الطفل، فيرفض احترامه.
والمدرسة التقليدية تختزل الاندماج الاجتماعي في الإكراه، فالعلاقة أحادية بين المعلم والمتعلم بين المرسل والمتقبل بين العارف والجاهل، لكن المدرسة اليوم مطالبة بتغيير هذه الصور، فإذا كان الإكراه ضروريا لتلقي المفاهيم واختزال تجارب الأولين، فان التعاون بين التلاميذ يسهل مأمورية المعلم، إذ يجد أمامه جماعة متماسكة متآزرة، قال بياجيه: ً التعاون هو الأخلاق في الفعل، كما أن العمل النشيط هو الذكاء في الفعل ً.
والتعاون في المدرسة يعني احترام قوانينها والاشتراك في الأشغال والألعاب، ويعني حفط الوعود والمحافظة على نظافة المدرسة وأثاثها.
وان الطفل المدلل يستفيد كثيرا من هذه البيئة الجديدة التي تعلمه تحمل المسؤولية، ويصدق ذلك أيضا على الطفل الوحيد أو الخامل.
وان النظام الداخلي للمدرسة الأولية أو الابتدائية هو عبارة عن إجراءات وقائمة يقصد من ورائها أبعاد الطفل عن كل ما من شأنه أن يلحق الضرر به أو برفاقه، سواء داخل القسم أو في الساحة أو في الطريق بين البيت والمدرسة بالإضافة إلى الحث على النظافة والمحافظة على التجهيزات المدرسية.
وهذه الإجراءات وغيرها تعمل على تكوين الوعي والانضباط الاجتماعي لدى التلميذ والمحافظة على ممتلكات المؤسسة واحترام العاملين بها: ففيها يتعين على الطفل أن يراعي النظام وأن يلزم التأدب، أو الصمت في أوقات معينة، وألا يغضب إن اقتضت مصلحة الجماعة ألا يأخذ أكتر من نصيبه.
2. ومن الفوائد العملية للمدرسة الابتدائية أنها تمنح للطفل قدرا من الاستقلال، فتتوسع صلاته الاجتماعية، اذ يصبح قادرا على إقامة علاقات من التفاعل مع هذه الكائنات التي تماثله، كما أن المدرسة تعمل على انتزاع الطفل من التمركز الذاتي L égocentrisme الذي يسيطر على تفكيره وسلوكه الاجتماعي وخلقه حتى سن السابعة فيما يراه بياجيه.
ولا يقصد بياجيه بالتمركز الذاتي أن الأطفال في هذه المرحلة يكونون أنانيين، بل يقصد أنهم يدركون العالم من منظورهم الخاص، والواقع أن هذا المفهوم يمكن تعميمه على سلوك الطفل الاجتماعي، وليس فقط على سلوكه المعرفي، وهكذا يتضح لنا أن التغير المفاجئ في بيئة المتعلم يمكن أن يكون له أثر سلبي وسلوكه الاجتماعي،لأنه ما يزال متشبعا بتنشئة أسرية مختلفة ينبغي أن يكون المعلم مستعدا لمواجهة مشاكلها النفسية والاجتماعية.
إن الدخول المدرسي الأول يعد بالنسبة للمتعلم إجراء اضطراريا قد يؤدي إلى معاناة انفعالية أو إلى تخلف في المجال المعرفي.
ومن خلال هذا الطرح، فما هي محاولات ومساهمة المعلم التربوي من أجل التخفيف من حدة الأزمة، وتكييف الطفل مع المجال المدرسي ؟
3.إن موضوع النص يطرح ضمنيا علاقة المعلم بالمتعلم المبنية على السيكولوجية لأفراد الجماعة، أن اهتمام المدرس بدراسة الطفولة ومراحل نموها يعد وسيلة لضبط التغيير الطارئ الذي يصادف المتعلم، وتكييفه من بيئة إلى أخرى في ظروف عادية وملائمة لرغباته وميوله.
3.لقد بينا سابقا أن الدخول إلى المدرسة يعد قطيعة شبيهة بفطام عاطفي جديد، وهذا الفطام يتطلب جهدا انفعاليا ينبغي أن يتحمله الطفل من أجل التوافق مع النظام المدرسي.
وفي هذا الجو الجديد يظهر دور المعلم الايجابي والمتفهم للصعوبات التي يواجهها التلميذ، أن هذا الجو يتطلب من المعلم وعيا بصعوبات الانفصال عن الأم، وعن حياة المنزل التي ألفها لبضع سنوات، فالي حدود السنة الخامسة يكون بعض الأطفال غير قادرين على التحكم في التبول أو التبرز، وهنا نشير إلى الدور الذي يقوم به المربي أو المربية في النيابة عن الأب أو الأم.
ان قدرة المعلم على التعامل مع الطفل كبديل للأب أو الأم هو أمر هام في نمو شخصية الصغير، فالمعلم يقوم بدور القدوة أو النموذج للصغار، فهم يمثلونه بشخصيته وان التلاميذ كثيرا ما يستعيضون عن اتجاهات آبائهم باتجاهات أخرى يستمدونها من المعلمين.
وهكذا يبدو دور المعلم عظيما من الجوانب النفسية والاجتماعية فضلا عن الجوانب التعليمية : إن اطلاع المدرس على العوامل المؤثرة في جو الجو الجماعة وتماسكها يجعله واعيا بأهمية خلق جو حجرة الدراسة من خلال العلاقات التفاعلية بينه وبين التلاميذ بعضهم ببعض، كما يتيح له إمكانيات تحريك النشاط الذاتي للمتعلم بغيةً البحث والمشاركة والمبادرة.....ً
وان تحقيق جو التعاطف الوجداني والتواصل والنشاط الذاتي من شأنه أن يخول للمتعلمين الظهور على حقيقتهم والابتعاد عن السلوك المزيف والرفع من معنوياتهم من أجل تكوين جماعة متكيفة ومنتجة.
وفي إطار العلاقات التفاعلية السليمة داخل القسم، ينبغي للمعلم أن يتفهم نفسية التلميذ الجديد، ويحسن معاملته، بحيث لا تتصف هذه المعاملة ً بالسخرية أو الزجر ً فالاندماج الأول للطفل مع الجماعة يتطلب كثيرا من الرقة في المعاملة وكثيرا من الألفة والتقارب والانتفاع في الكلام والاتصال.
خاتمة:
نستخلص مما سبق أن احتكاك الطفل لأول مرة مع الجماعة المدرسية يشكل ً أزمة ً تؤدي إلى بعض الاضطرابات الانفعالية الحقيقية لأن جماعة القسم هي جماعات العمل وهي تختلف عن الجماعات الأخرى كجماعات التسلية أو جماعات ملء الفراغ، فالفل حينما يغادر الأسرة ويدخل المدرسة التي تعتبر بيئة غريبة تستلزم وقتا لكي يتكيف مع الجماعة الجديدة فالبيئة الجديدة تتمثل في غالب الأحيان بالصرامة والنظام القاسي وان تفاعل الطفل مع هذه الجماعات الجديدة يكسبه عادات جديدة مخالفة لما تعوده من قبل و أمام هذه الوضعية ينبغي على المعلم أن يتدخل بوعي وتبصر من أجل تذليل كل الصعوبات مستخدما أساليب نفسية وتربوية تتفق مع خصوصيات كل متعلم من أجل تحقيق الاندماج السليم والاتزان الشخصي لكل طفل.
ولقد كان الكاتب ً أيبر ً صريحا وواضحا حينما أشار إلى هذه المرحلة المتأزمة، غير أن المدرسة الحديثة قد نظفت كثيرا من الضغوط التي يعاني منها المتعلمون إبان اندماجهم، وفتحت أمامهم عدة مجالات للتنشيط والمشاركة وأخذ الأطفال في الجو الجديد يتقاربون ويتعاونون في جو من المحبة والوئام.