كلمة مؤثرة لأستاذ متقاعد يرفض تكريمه

جمال

Admin
📬
754
0
👍
90
🏆
28
حضرات السادة والسيدات،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

يشرفني كثيرا أن أحظى اليوم بشرف هذا الجمع المبارك حولي ، الذي باستثناء اليوم الذي صدمتني فيه سيارة
لم أعرف سائقها، وأنا أمتطي دراجتي الهوائية متجها فيه إلى المدرسة التي أشتغل فيها معلما،
لم أكن موضوع تجمهرقبله ولا بعد ،
ولا بأس اليوم من شكر الأكاديمية والنيابة التي تواضعت أخيرا،
لتنصت إلى هذا الشخص الذي لا تعتبره سوى إسمٍ من الأسماء النكرة،
أو رقما من أرقام التأجير التي تشتغل في دوائر نفوذها،
فشكرا إذن للسيد مدير المديرية
الإقليمية الذي لا أعتقد أنه الآن بين هذا الحضور..
ضدا على كل العبارات البيروقراطية، والبروتوكولات، ألتمس منكم الإصغاء
إلي ومنحي بعضا من وقتكم الثمين لموظف يعيش آخر ساعات انتسابهلوزارتكم الموقرة..


أنا عبد المجيد ...، البالغ من العمر 63 سنة ، والمتزوج الأب لأربعة أطفال
من أبناء هذا الوطن، والحامل لرقم التأجير ...، أصرح، وأنا ببعض قواي العقلية،التي احتفظت بها قسرا
سنوات خدمتي الفعلية الطويلة داخل الفصل ،
أنني أرفض هذا التكريم الذي تفضلتم وتكرمتم بإقامته لشخصي..

نعم، لست في حاجة أيها السادة إلى تصفيقاتكم ، وأنتم تحتجزونني هذا المساء
داخل هذه القاعة كبهلوان عجوز، تعلقون على صدره أوسمة رخيصة ،
وتغدقون عليه بكلمات معلبة معدة بشكل رتيب ، لكل مناسبة تسكتون بها موظفيكم
كلما حان أجل أحدهم ليسلمكم مفاتيح فصله ، ويستدير إلى ما تبقىمن عمره متواريا
عن أنظاركم إلى الأبد..

لا أيها الكرام..

هل غاب عن ذهنكم أن هذا الجسد الضامر المتهالك ، تسكنه روح يعيش بها ،
وذاكرة طالما اختزنت ويلات النضال ، وظلمات الشقاء والبؤسالذي أرادته لنا وزارتكم؟

- كنت سأفرح بتكريمكم لي ، يوم وصلت على ظهر حمار الجبل الذي تعتليه الفرعية
التي عينت بها ذات ليلة من ليالي السبعينات الباردة ،
فلم أجد سكنا أقطن به ، لألوذ بمسجد أياما أبيت فيه قبل أن يحتضني بعض سكان القرية بكرمهم..

- كنت سأفرح بتكريمكم لي، وأنا أشتغل سنتين بدون راتب ، في انتظار الأجرة،
حتى اشتكاني البقال إلى مخفر الدرك لكثرة ديوني..

- كنت سأفرح بتكريمكم لي، وأنتم ترسلون إلي مديرا، يجتهد فقط بتبليغكم
أيام عجزي ومرضي، وموافاتي بالاستفسارات ، وإحصاء كل كبيرة وصغيرة علي ،
دون أن يمدني يوما بتنويه أو تشجيع لقاء كدي وجدي في سبيل تحصيل التلاميذ..

- كنت سأفرح بتكريمكم، يوم لذغتني عقرب، وأنا تحت سقف مهترئ قرب الفرعية،
أستجلب النوم والأحلام البسيطة ، لأنسى بها الواقع الذي شكلتموه لي..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، يوم انقطعت عني الأجرة سنة ونصف ، إثر خطإ جناه علي المدير،
جراء تقاعسه في إرسال مراسلة ، كلفتني إرسال زوجتي لتشتغلخادمة ببيوت المدينة ،
حتى نجد ما نقتات به نحن وأبناؤنا..

- كنت سأفرح بتكريمكم، وأنت تبعثون إلي مفتشا ببذلة وربطة عنق أنيقة ،
ليسخر من أحوالي ، وليحاسبني على تطبيق مستجدات التدريس ، داخل فصل
طاولاته من مخلفات الاستعمار، وحيطانه آيلة للتهاوي على رأسي ورؤوس تلاميذي..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، ذات ليلة كانت ستقضي علي فيه شمعة داخل مسكني ،
بعدما شبت ألسنة اللهب في أغطيتي وملاءاتي الحقيرة..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، وأنا أدرس خمسين تلميذا داخل فصل واحد ، بدعوى الخصاص
وما إلى ذلك مما تجتهدون فيه للرد على مطالبنا ومطالب الشعب..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، يوم سقطت فيه مغمى علي ، إثر مرض مزمن ،
بعدما ضاق السيد النائب بمراسلاتي المرفقة بملف طبي مصادق عليه
من قبل وزارة الصحة..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، وأنا أشارك كل سنة ، بعد عقود قضيتها مرابطا
بجبال سوس القاسية ، في الحركة الوطنية قصد الاقتراب من مستشفى بالمدينة ،
يحتضن سقمي وعلتي ..

- كنت سأفرح بتكريمكم ، ولوائح الترقية تطالعني كل سنةبجدول خال من اسمي..
- كنت سأفرح بتكريمكم ، وأنا أشغل جميع الحرف داخل قسمي ، تارة حلاقا يحلق
رؤوس تلاميذي ، وتارة منظفا أجمع فضلاتهم وقمامات الساحة ،
وتارة بناء أو صباغا أعتلي السلالم لمناشدة جدران المدرسة
حتى لا تباغتني يوما وأنا أشتغل بينها..

نعم ، أيها المحترمون..

- كنت سأفرح بهذا التكريم ، خلال تلك السنوات المديدة المريرة التي خلفت ما خلفت
على تجاعيد وجهي وعظام جسدي وأكوام مكدسة من الأحزان داخل صدري
المنهك بالربو والسعال الآن .. ولم يكن يزيدني إصرارا وتمسكا بالحياة ،
غير شرطي يستوقفني بالطريق مذكرا إياي أنه كان ذات يومأحد تلاميذي ،
أو ممرضة لم تنس جهدي معها وهي تلميذة ، أو...

لكل هذه الأسباب أيها السادة ، أعتذر عن قبولي هذا التكريم هذه الليلة ،
وأطلب منكم فقط أن تفسحوا لي طريقا لأخرج من هذه القاعة التي خنقتني
- أنا المعاق ذا العكازين -
وأنصرف إلى حال سبيلي ، مستسمحكم عذرا على الأخذ من وقتكم
لسماع أساطير شيخ في أراذل عمره ..

والسلام عليكم ورحمة اللـه
 
عودة