من يريد المنتدى باللغة العربية يضغط أسفل المنتدى على كلمة إنجليزية ويختار عربية هناك خطط في تغيير اتجاه المنتدى

مفاهيم تربوية: الاستقراء الاستنباط

من المعلوم أن من أهداف تدريس علوم الحياة والأرض بناء المعرفة العلمية لدى التلاميذ وهو أمر إن كان يبدو ظاهريا بسيطا فهو من أعقد العمليات وأكثرها حساسية فبناء المعرفة لا يُقصد به ان يعرف التلميذ بل ان يكون واعيا ومدركا لما يعرف وان تصبح تلك المعرفة جزء من بنيته الذهنية وتمثله للواقع وهنا تكمن الصعوبة وتظهر أهمية ان يكون ذلك البناء باعتماد طرق ونهوج ووضعيات خاصة أساسها عمل المتعلم وليس مجرد نقل المعرفة من الأستاذ الى التلاميذ كمن يملأ إناء فارغا. وفي هذا المقال سيكون الحديث عن أحد النهوج او الطرق التي يجب استحضارها دائما في تدريس علوم الحياة والأرض وهما النهجين او الاستدلالين الاستقرائي والاستنباطي.

إن استحضار هاذين النهجين ليس مرتبطا بالتعليم والتعلم فقط بل انهما ظلا حاضرين مع العلم والمعرفة منذ ظهور الإنسان الى يومنا هذا فكل اكتشاف علمي او معرفة جديدة لم تكن لتكون لولا حضور الاستنباط والاستقراء معا فالملاحظة وحدها أي الاستقراء غير كافية للوصول للمعرفة العلمية بل لابد ان تحضر كذلك لدى الباحث صورة افتراضية وفكرة عما يبحث أي الاستنباط. فما هو الاستقراء؟ وما هو الاستنباط؟ وما هي بعض تطبيقاتهما في تدريس علوم الحياة والأرض؟



في البداية يجب الإشارة الي الاختلاف الكبير الذي يوجد في تسمية كل من الاستقراء والاستنباط بين من يعتبرهما نهجين demarches كما أشارت لذلك التوجيهات التربوية وبين من يعتبرهما نمطين للتفكير والحجاج أو الاستدلال raisonnement وحتى طرق méthodes لكن هذا لا يفسد المعنى الواحد للمفهومين مهما تغيرت التسميات.



الاستقراء induction

يمكن تعريف الاستقراء على أنه “عملية ملاحظة الظواهر وتجميع البيانات عنها للتوصل إلى مبادئ عامة وعلاقات كلية” (الرفاعي، 1998، ص 83) وببساطة هو الانتقال من الجزء الى الكل ومن الخاص للعام والملاحظات والدراسات والأبحاث الجزئية الى القوانين والنظريات العلمية.

في تدريس علوم الحياة والأرض يظهر الاستقراء أساسا في النهج العلمي عند مرحلة صياغة الفرضيات لأن الملاحظات أو وضعية البداية التي تتضمن المشكل العلمي تعبر عن وقائع وحالات جزئية من خلالها تصاغ الفرضيات على شكل أفكار عامة كما توضح الأمثلة التالية:

مشكل تأثر المزروعات بانخفاض درجة الحرارة يقود لوضع فرضية تفسيرية عامة مثل ان درجة الحرارة تؤثر في التبادلات الغازية اليخضورية.

تعريض تربة للتسخين وعدم تحلل الفرش الحرجي يقود الى افتراض ان فلورة التربة تلعب دورا في تحلل الفرش الحرجي.

عدم تواجد بلوط الفلين في الأراضي الكلسية القاعدية يقود الى افتراض ان نمو وتوزيع النباتات يرتبط بطبيعة ph التربة.

....

أخير يجب الانتباه الى أمرين في الاستقراء وهما انه برغم من كونه يقود من خلال الملاحظات ودراسة الحالات الى وضع القوانين واستخلاص المفاهيم العلمية إلا انه يحتاج دوما إلى معرفة علمية قبلية تمكن من التعامل ودراسة تلك الحالات كما أنه رغم تطابق الملاحظات والنتائج في دراسة ما لا يمكن تعميم النتائج بالمطلق كأن نقول بالاستقراء انه بما ان كل الإوزات التي لاحظت لونهم أبيض إذا كل الإوز لونه أبيض.



الاستنباط Déduction

هو الاستدلال الذي ينتقل من الكل إلى الجزء أو من العام إلى الخاص. والاستنباط يبدأ أو يستند إلى مسلمات أو نظريات او فرضيات ثم يستنبط منها ما ينطبق على الجزء المبحوث، بحيث تؤكد الدراسات والأبحاث الخاصة المفهوم او النظرية او التصور العام.

في تدريس علوم الحياة والأرض يظهر الاستنباط كثيرا في علوم الأرض باعتبار أن اغلب المفاهيم فيها تبنى على نماذج تفسيرية modèle explicatifs تؤكدها قياسات ودراسات جزئية كما أن الاستنباط يُستعمل في النهج العلمي وذلك انطلاقا من الفرضية المصاغة بالاستقراء حيث يتم استنباط علاقة تضمينية تتضمن حالة خاصة تثبت صحتها صحة الفرضية (اذا كانت الفرضية صحيحة فسيحدث كذا او كذا في التجربة) ولذلك يسمى الاستنباط كثيرا بالاستدلال الفرضي الاستنباطي Raisonnement hypothético-déductif لكون المسلمات والنظريات التي ينطلق منها هي عبارة عن فرضيات وهو من الأسس المهمة للنهج العلمي التجريبي. من أمثلة الاستنباط في علوم الحياة والأرض:

الطمر كظاهرة تقدم في البداية كمسلمة ممثلة في نموذج modèle بعد ذلك تؤكد الدراسات الجيوفيزيائية والقياسات حدوث الطمر.

التركيب الضوئي او التنفس الخلوي يتم تقديم تفاعله الإجمالي في البداية كمسلمة لكن لا يصل التلاميذ لتأكيدها الى بدارسات جزئية كثيرة.

باعتماد النهج العلمي في دراسة دور ph التربة في توزيع النباتات وبعد افتراض ان هناك دور يتم اقتراح علاقة تضمينية بالاستنباط بالقول "اذا كان ph التربة يؤثر في توزيع النباتات فسيتأثر نمو الشتلة المزروعة بتغير ph التربة.

في دارسة الطبيعة الكيميائية للمادة الوراثية (تجارب AVERY) عند افتراض أن العلة هي اما ربما بروتين او سكر او النويين (ADN) يتم وضع علاقة تضمينية بالاستنباط بالقول ان اذا كانت المادة الوراثية (العلة المحولة) هي ADN فلن يحدث التحول البكتيري عن إضافة أنزيمات محللة لADN.

....

إن حضور كل من الاستباط والاستقراء في وضعياتنا التعليمية التعلمية والوعي بكل نوع من الاستدلال في اكتساب المعرفة مهم جدا للأستاذ أولا وللتلميذ ثانيا فلا يعقل ان تبقى ممارساتنا التربوية حبيسة العشوائية او الارتجالية وربما الجهل بالإطار النظري الذي نمارس كما أن التلميذ بوعيه بانماط الاستدلال يكون قد طور لديه بالإضافة للمعارف savoirs والقدرات Savoirs-faire امرا نادرا ما نهتم به وهوالوعي بحقيقة المعرفة العلمية وكيف تبنى savoirs sur le savoir.
 
Back